فصل: السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثانية من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

الثانية على مصر فيها كانت وقعة السلطان الملك الناصر محمد المذكور مع قازان على حمص وقد تقدم ذكرها‏.‏

وفيها توفي القاضي علاء الدين أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن محمود ابن بدر العلامي المعروف بابن بنت الأعز‏.‏

كان لطيف العبارة جميل الصورة لطيف المزاج‏.‏

تولى حسبة القاهرة ونظر الأحباس ودرس بعدة مدارس وحج ودخل اليمن ثم عاد إلى القاهرة ومات بها في شهر ربيع الآخر وكان له نظم ونثر‏.‏

ومن شعره قصيدة أولها‏:‏ إن أومض البرق في ليل بذي سلم فإنه ثغر سلمى لاح في الظلم وفيها توفي الشيخ المسند المعمر شرف الدين أحمد بن هبة الله ابن تاج الأمناء أحمد بن محمد بن عساكر بدمشق وبها دفن بمقابر الصوفية بتربة الشيخ فخر الدين بن عساكر وكان من بقايا المسندين تفرد سماعًا وإجازة‏.‏

من عدم هذه السنة من وقعة حمص مع التتار قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والشيخ عماد الدين إسماعيل ابن تاج الدين أحمد بن سعيد بن الأثير الكاتب والأمير جمال الدين المطروحي والأمير سيف الدين كرت والأمير ركن الدين الجمالي نائب غزة ولم يظهر للجميع خبر غير أنهم ذكروا أن قاضي القضاة حسام الدين المذكور أسروه التتار وباعوه للفرنج ووصل قبرص وصار بها حكيمًا وداوى صاحب قبرص من مرض مخيف فشفي فأوعده أن يطلقه فمرض القاضي حسام الدين المذكور ومات‏.‏

كذا حكى بعض أجناد الإسكندرية‏.‏

وفيها توفي الشيخ الصالح الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرج بن أحمد بن اللخمي الإشبيلي بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وكان حافظًا دينًا خيرًا زاهدًا متورعًا‏.‏

عرض عليه جهات كثيرة فأعرض عنها وهو صاحب القصيدة المشتملة على صفات الحديث‏:‏ غرامي صحيح والرجا فيك معضل وحزني ودمعي مرسل ومسلسل وصبري عنكم يشهد العقل أنه ضعيف ومتروك وذلي أجمل فلا حسن إلا سماع حديثكم مشافهة تملى علي فأنقل وأمري موقوف عليك وليس لي على أحد إلا عليك المعول ولو كان مرفوعًا إليك لكنت لي على رغم عذالي ترق وتعدل وعذل عذول منكر لا أسيغه وزور وتدليس يرد ويهمل أقضي زماني فيك متصل الأسى ومنقطعًا عما به أتوصل وها أنا في أكفان هجرك مدرج تكلفني ما لا أطيق فأحمل وهي أطول من ذلك‏.‏

وفيها توفي قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز آبن قاضي القضاة محيي الدين يحيى بن محمد بن علي بن الزكي في يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة‏.‏

وكان من أعيان الدمشقيين ودرس بعدة مدارس وآنتفع به الناس‏.‏

رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العالم مفتي المسلمين شمس الدين محمد ابن الشيخ الإمام العلامة شيخ المواهب قاضي القضاة صدر الدين أبي الربيع سليمان ابن أبي العز وهيب الحنفي الدمشقي في يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة بالمدرسة النورية بدمشق ودفن بتربة والده بقاسيون وكان فقيهًا عالمًا مفتيًا بصيرًا بالأحكام متصديًا للفتوى والتدريس‏.‏

أفتى مدة أربع وثلاثين سنة وقرأ عليه جماعة كثيرة وانتفع الناس به وكان نائبًا في القضاء عن والده وسئل بالمناصب الجليلة فآمتنع من قبولها‏.‏

رحمه الله‏.‏

قلت‏:‏ وبنو العز بيت كبير بدمشق مشهورون بالعلم والرياسة‏.‏

وفيها توفي صاحب الأندلس أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف المعروف بابن الأحمر‏.‏

ملك الأندلس وما والاها بعد موت والده سنة إحدى وسبعين وستمائة وامتدت أيامه وقوي سلطانه ومات في عشر الثمانين رحمه الله تعالى‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ فيها توفي الإمام شمس الدين محمد بن عبد القوي المقدسي النحوي‏.‏

وعماد الدين يوسف بن أبي نصر الشقاري وقاضي القضاة إمام الدين عمر بن عبد الرحمن القزويني بمصر في ربيع الآخر‏.‏

وعبد الدائم بن أحمد المحجي الوزان‏.‏

وعلي بن أحمد بن عبد الدائم وأخوه عمر‏.‏

وأحمد بن زيد بن أبي الفضل الصالحي الفقير المعروف بالجمال‏.‏

وشرف الدين أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن أحمد بن عساكر في جمادى الأولى‏.‏

وعيسى بن بركة بن والي‏.‏

ومحمد بن أحمد بن نوال الرصافي‏.‏

وعلي بن مطر المحجي البقال‏.‏

وصفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء وابن عمها إبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو بن موسى أبو إسحاق الفراء‏.‏

وأحمد بن محمد الحداد‏.‏

وخديجة بنت التقي محمد بن محمود بن عبد المنعم المراتبي‏.‏

والحافظ شهاب الدين أحمد بن فرج اللخمي الإشبيلي في جمادى الآخرة‏.‏

وأبو العباس أحمد بن سليمان بن أحمد المقدسي الحراني‏.‏

والشيخ عز الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد الحق‏.‏

والخطيب موفق الدين محمد بن محمد المعروف بابن حبيش في جمادى الآخرة بدمشق‏.‏

والمعمرة زينب بنت عمر بن كندي ببعلبك‏.‏

والأمير علم الدين سنجر البرنلي الدواداري في رجب بحصن الأكراد‏.‏

والمؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى ابن خطيب عقرباء‏.‏

وشمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن الفضل الواسطي في رجب وله أربع وثمانون سنة‏.‏

والعلامة نجم الدين أحمد بن مكي في جمادى الآخرة‏.‏

والإمام شمس الدين محمد بن سلمان بن حمائل سبط غانم‏.‏

والشيخ بدر الدين حسن بن علي بن يوسف بن هود المرسي في رجب‏.‏

والإمام شمس الدين محمد آبن الفخر عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي في رمضان‏.‏

والشريف شمس الدين محمد بن هاشم بن عبد القاهر العباسي العدل في رمضان وله أربع وتسعون سنة‏.‏

والشيخ بهاء الدين أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله أبو صابر بن النحاس مدرس القليجية في شوال‏.‏

والمفتي جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجربقي‏.‏

والعدل بهاء الدين محمد بن يوسف البرزالي عن آثنتين وستين سنة‏.‏

والأديب جمال الدين عمر بن إبراهيم بن العقيمي الرسعني وله أربع وتسعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وعدة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وست أصابع وكان الوفاء ثالث عشر توت‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة سبعمائة من الهجرة‏.‏

فيها توفي الأمير سيف الذين بلبان الطباخي بالعسكر المنصور على الساحل وكان من أعيان الأمراء وأحشمهم وأشجعهم وأكثرهم عدة ومماليك وحاشية‏.‏

وولي نيابة حلب قبل ذلك بمدة ثم ولي الفتوحات بالساحل ودام عليها سنين‏.‏

وكان جميل السيرة والطريقة وله المواقف المشهورة والنكاية في العدو‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الأديب البارع شهاب الدين أبو جلنك الحلبي الشاعر المشهور صاحب النوادر الطريفة كان بارعًا ماهرًا وفيه همة وشجاعة‏.‏

ولما كانت وقعة التتار في هذه السنة نزل أبو جلنك المذكور من قلعة حلب لقتال التتار وكان ضخمًا سمينًا فوقع عن فرسه من سهم أصاب الفرس فبقي راجلًا فأسروه وأحضروه بين يدي مقدم التتار فسأله عن عسكر المسلمين فرفع شأنهم فغضب مقدم التتار عليه اللعنة من ذلك فضرب عنقه‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

ومن شعر أبي جلنك المذكور قوله‏:‏ وشادن يصفع مغرى به براحة أندى من الوابل فصحت في الناس ألا فآعجبوا بحر غدا يلطم في الساحل قال الشيخ صلاح الدين الصفدي رحمه الله‏:‏ وكان أبو جلنك قد مدح قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان فوقع له برطلي خبز فكتب أبو جلنك على بستانه‏:‏ والبان تحسبه سنانيرًا رأت قاضي القضاة فنفشت أذنابها قلت‏:‏ لعل الصلاح الصفدي وهم في ابن خلكان والصواب أن القصة كانت مع قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني‏.‏

انتهى‏.‏

ومن شعر أبي جلنك في أقطع‏:‏ وبي أقطع ما زال يسخو بماله ومن جوده ما رد في الناس سائل تناهت يداه فاستطال عطاؤها وعند التناهي يقصر المتطاول قلت‏:‏ ووقع في هذا المعنى عدة مقاطيع جيدة في كتابي المسمى ب ‏"‏ حلية الصفات في الأسماء والصناعات ‏"‏ فمن ذلك‏:‏ أفديه أقطع يشدو ساروا ولا ودعوني ما أنصفوا أهل ودي واصلتهم قطعوني ولشمس الدين ابن الصائغ الحنفي‏:‏ وأقطع قلت له هل أنت لص أوحد فقال هذي صنعة لم يبق لي فيها يد وفي المعنى هجو‏:‏ وما قطعوه بعد الوصل لكن أرادوا كفه عن ذي الصناعه غيره في المعنى‏:‏ من يكن في الأصل لصًا لم يكن قط أمينا فثقوا منه برهن أو خذوا منه يمينا وفيها توفي الشيخ الصالح المسند عز الدين أبو الفدى إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر بن موسى بن عميرة المعروف بابن الفراء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي‏.‏

مولده سنة عشر وستمائة وسمع الكثير وحدث وخرج له الحافظ شمس الدين الذهبي مشيخة وكان دينًا خيرًا وله نظم‏.‏

عن ذلك قوله‏:‏ أين من عهد آدم وإلى الآ - - ن ملوك وساعة وصدور مزقتهم أيدي الحوادث وآستو - - لت عليهم رحى المنون تدور وله في المعنى وقيل هما لغيره‏:‏ ثم آنقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام وكذاك من يأتي وحقك بعدهم أمضاه رب قادر علام الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عز الدين أحمد آبن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي في المحرم وله ثمان وثمانون سنة‏.‏

وعماد الدين أحمد بن محمد بن سعد المقدسي وله ثلاث وثمانون سنة‏.‏

وعز الدين إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمر الفراء في جمادى الآخرة وله تسعون سنة‏.‏

وأبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الغسولي في الشهر وله نحو من تسعين سنة‏.‏

والحافظ شمس الدين أبو العلاء محمود بن أبي بكر البخاري الفرضي بماردين في ربيع الأول وله ست وخمسون سنة‏.‏

وشمس الدين أبو القاسم الخضر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبدان الأزدي في ذي الحجة‏.‏

والمقرىء شمس الدين محمد بن منصور الحاضري في صفر‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم والحديث أعني مجموع النيل في هذه السنة ست عشرة ذراعًا وثماني عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة إحدى وسبعمائة‏.‏

فيها في ثالث عشر من شهر ربيع الأول سافر الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير إلى الإسكندرية وصحبته جماعة كثيرة من الأمراء بسبب الصيد ورسم له السلطان أن مدة مقامه بالإسكندرية يكون دخلها له ثم أعطى السلطان لجميع الأمراء دستورًا لمن أراد السفر لإقطاعه لعمل مصالح بلاده وكان إذ ذاك يربعون خيولهم شهرًا واحدًا لأجل العدو المخذول‏.‏

وفيها توفي مسند العصر شهاب الدين أحمد ابن رفيع الدين إسحاق بن محمد ابن المؤيد الأبرقوهي بمكة في العشرين من ذي الحجة‏.‏

ومولده سنة خمس عشرة وستمائة بأبرقوه من أعمال شيراز وكان سمع الكثير وحدث وطال عمره وتفرد بأشياء‏.‏

وفيها توفي الحافظ شرف الدين أبو الحسين على آبن الإمام أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد اليونيني في يوم الخميس حادي عشر شهر رمضان ببعلبك‏.‏

ومولده في حادي عشر شهر رجب سنة إحدى وعشرين وستمائة ببعلبك‏.‏

وفيها توفي الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله المعروف بأرجواش المنصوري نائب قلعة دمشق في ليلة السبت ثاني عشرين ذي الحجة وكان شجاعًا‏.‏

وهو الذي حفظ قلعة دمشق في نوبة غازان وأظهر من الشجاعة مالا يوصف على تغفل كان فيه حسب ما قدمنا من ذكره في أصل ترجمة الملك الناصر محمد بن قلاوون ما فعله وكيف كان حفظه لقلعة دمشق‏.‏

وأما أمر التغفل الذي كان به‏:‏ قال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك في تاريخه‏:‏ حكى لي عنه عبد الغني الفقير المعروف قال‏:‏ لما مات الملك المنصور قلاوون أعني أستاذه قال لي‏:‏ أحضر لي مقرئين يقرأون ختمة للسلطان فأحضرت إليه جماعة فجعلوا يقرأون على العادة فأحضر دبوسًا وقال‏:‏ كيف تقرأون للسلطان هذه القراءة‏!‏ تقرأون عاليًا فضجوا بالقراءة جهدهم فلما فرغوا منها قلت‏:‏ يا خوند فرغت الختمة فقال‏:‏ يقرأون أخرى فقرأوها وقفزوا ما أرادوا فلما فرغوا أعلمته قال‏:‏ ويلك‏!‏ السماء ثلاثة والأرض ثلاثة والأيام ثلاثة والمعادن ثلاثة وكل ما في الدنيا ثلاثة يقرأون أخرى‏!‏ فقلت‏:‏ اقرأوها واحمدوا الله تعالى على أنه ما علم أن هذه الأشياء سبعة سبعة فلما فرغوا من الثلاثة وقد هلكوا من صراخهم قال‏:‏ دعهم عندك في الترسيم إلى بكرة ورح آكتب عليهم حجة بالقسامة الشريفة بالله تعالى وبنعمة السلطان أن ثواب هذه الختمات لمولانا السلطان الملك المنصور قلاوون ففعلت ذلك وجئت إليه بالحجة فقال‏:‏ هذا جيد أصلح الله أبدانكم وصرف لهم أجرتهم‏.‏

وحكي عنه عدة حكايات من هذا تدل على تغفل كبير‏.‏

قلت‏:‏ ويلحق أرجواش هذا بعقلاء المجانين فإن تدبيره في أمر قلعة دمشق وقيامه في قتال غازان له المنتهى في الشجاعة وحسن التدبير‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي شمس الدين سعيد بن محمد بن سعيد بن الأثير في سابع عشر ذي القعدة بدمشق وفيها توفي الشريف نجم الدين أبو نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الحسني المكي صاحب مكة المشرفة في يوم الأحد رابع صفر بعد أن أقام في إمرة مكة أربعين سنة وقدم القاهرة مرارًا وكان يقال‏:‏ لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة اثنتين وسبعمائة‏.‏

فيها في أول المحرم قدم الأمير بيبرس الجاشنكير من الحجاز ومعه الشريفان حميضة ورميثة في الحديد فسجنا بقلعة الجبل‏.‏

وفيها في رابع جمادى الآخرة ظهر بالنيل دابة كلون الجاموس بغير شعر واذناها كآذن الجمل وعيناها وفرجها مثل الناقة ويغطي فرجها ذنب طوله شبر ونصف طرفه كذنب السمك ورقبتها مثل ثخن التليس المحشو تبنًا وفمها وشفتاها مثل الكربال ولها أربع أنياب اثنتان فوق اثنتين في طول نحو شبر وعرض إصبعين وفي فمها ثمانية وأربعون ضرسًا وسنًا مثل بيادق الشطرنج وطول يدها من باطنها شبران ونصف ومن ركبتها إلى حافرها مثل أظافير الجمل وعرض ظهرها قدر ذراعين ونصف ومن فمها إلى ذنبها خمس عشرة قدمًا وفي بطنها ثلاثة كروش ولحمها أحمر له ذفرة السمك وطعمه مثل لحم الجمل وثخانة جلدها أربع أصابع لا تعمل فيه السيوف وحمل جلدها على خمسة جمال في مقدار ساعة من ثقله وكان ينقل من جمل إلى جمل وقد حشي تبنًا حتى وصل إلى قلعة الجبل‏.‏

وفيها كان بمصر والقاهرة زلزلة عظيمة أخربت عدة منائر ومبان كثيرة من الجوامع والبيوت حتى أقامت الأمراء ومباشرو الأوقاف مدة طويلة ترم وتجدد ما تشعث فيها من المدارس والجوامع حتى منارة الإسكندرية‏.‏

وفيها أبطل الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير عيد الشهيد بمصر وهو أن النصارى كان عندهم تابوت فيه إصبع يزعمون أنها من أصابع بعض شهدائهم وأن النيل لا يزيد ما لم يرم فيه هذا التابوت فكان يجتمع النصارى من سائر النواحي إلى شبرا ويقع هناك أمور يطول الشرح في ذكرها حتى إن بعض النصارى باع في أيام هذا العيد باثني عشر ألف درهم خمرًا من كثرة الناس التي تتوجه إليه للفرجة وكان تثور في هذا العيد فتن وتقتل خلائق‏.‏

فأمر الأمير بيبرس رحمه الله بإبطال ذلك وقام في ذلك قومة عظيمة فشق ذلك على النصارى واجتمعوا بالأقباط الذين أظهروا الإسلام فتوجه الجميع إلى التاج ابن سعيد الدولة كاتب بيبرس وكان خصيصًا به وأوعدوا بيبرس بأموال عظيمة وخوفوه من عدم طلوع النيل ومن كسر الخراج فلم يلتفت إلى ذلك وأبطله إلى يومنا هذا‏.‏

وفيها توفي الشيخ كمال الدين أحمد بن أبي الفتح محمود بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن سليمان بن فتيان المعروف بآبن العطار أحد كتاب الدرج بدمشق في رابع عشر ذي القعدة‏.‏

ومولده سنة ست وعشرين وستمائة وكان كثير التلاوة محبًا لسماع الحديث وسمع وحدث وكان صدرًا كبيرًا فاضلًا وله نظم ونثر وأقام يكتب الدرج أربعين سنة‏.‏

وفيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ القدوة برهان الدين إبراهيم ابن معضاد الجعبري بالقاهرة وقد تقدم ذكر وفاة والده ودفن بزاويته خارج باب النصر من القاهرة‏.‏

وفيها توفي الأمير فارس الدين ألبكي الساقي أحد مماليك الملك الظاهر بيبرس‏.‏

كان من أكابر أمراء الديار المصرية ثم اعتقل إلى أن أفرج عنه الملك المنصور قلاوون وأنعم عليه بإمرة ثم نقله إلى نيابة صفد فأقام بها عشر سنين وفر مع الأمير قبجق إلى غازان وتزوج بأخته ثم قدم مع غازان ولحق بالسلطان فولاه نيابة حمص حتى مات بها في يوم الثلاثاء ثامن ذي القعدة‏.‏

وكان مليح الشكل كثير الآدب ما جلس قط بلا خف وإذا ركب ونزل حمل جمداره شاشه فإذا أراد الركوب لفه مرة واحدة بيده كيف كانت‏.‏

وفيها استشهد بوقعة شقحب الأمير عز الدين أيدمر العزي نقيب المماليك السلطانية وأصله من مماليك الأمير عز الدين أيدمر الظاهري نائب الشام وكان كثير الهزل وإليه تنسب سويقة العزي خارج القاهرة بالقرب من جامع ألجاي اليوسفي‏.‏

وفيها استشهد الأمير يوسف الدين أيدمر الشمسي القشاش وكان قد ولي كشف الغربية والشرقية جميعًا وآشتدت مهابته وكان يعذب أهل الفساد بأنواع قبيحة من العذاب منها‏:‏ أنه كان يغرس خازوقًا بالأرض ويجعل عوده قائمًا ويرفع الرجل ويسقطه عليه‏!‏ وأشياء كثيرة ذكرناها في ترجمته في تاريخنا المنهل الصافي ولم يجسر أحد من الفلاحين في أيامه أن يلبس مئزرًا أسود ولا يركب فرسًا ولا يتقلد بسيف ولا يحمل عصا مجلبة بحديد حتى ولا أرباب الأدراك ثم استعفى من الولاية ولزم داره وخرج لغزوة شقحب في محفة إلى وقت القتال‏:‏ لبس سلاحه وركب فرسه وهو في غاية الألم فقيل له‏:‏ أنت لا تقدر تقاتل فقال‏:‏ والله لمثل هذا اليوم أنتظر وإلا بأي شيء يتخلص القشاش من ربه بغير هذا‏!‏ وحمل على العدو وقاتل حتى قتل ورئي فيه - بعد أن مات - ستة جراحات‏.‏

وفيها أيضًا آستشهد الأمير أوليا بن قرمان أحد أمراء الظاهرية وهو ابن أخت قرمان وكان شجاعًا مقدامًا‏.‏

وفيها آستشهد أيضًا الأمير عز الدين أيبك الأستادار وكان من كبار الأمراء المنصورية‏.‏

وآستشهد الأمير جمال الدين آقوش الشمسي الحاجب والأمير سيف الدين بهادر أحد الأمراء بحماة والأمير صلاح الدين ابن الكامل والأمير علاء الدين ابن الجاكي والشيخ نجم الدين أيوب الكردي والأمير شمس الدين سنقر الشمسي الحاجب والأمير شمس الدين سنقر الكافري والأمير سنقرشاه أستادار بيبرس الجالق والأمير حسام الدين علي بن باخل والأمير لاجين الرومي المنصوري أستادار الملك المنصور قلاوون ويعرف بالحسام‏.‏

قلت‏:‏ ورأيت أنا من ذريته الصارمي إبراهيم بن الحسام‏.‏

وكل هؤلاء استشهدوا في نوبة غازان بشقحب بيد التتار‏.‏

وفيها توفي الملك العادل كتبغا المنصوري نائب حماة بها وهو في الكهولية في ليلة الجمعة يوم عيد الأضحى‏.‏

وقد تقدم ذكره في ترجمته من هذا الكتاب عند ذكر سلطنته بالديار المصرية وما وفيها توفي قاضي القضاة تقي الدين محمد ابن الشيخ مجد الدين علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي الفقيه المالكي ثم الشافعي المعروف بابن دقيق العيد قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية‏.‏

كان إمامًا عالمًا‏.‏

كان مالكيًا ثم آنتقل إلى مذهب الشافعي ومولده في عشرين شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة ومات في يوم الجمعة حادي عشر صفر وكان تفقه بأبيه ثم بالشيخ عز الدين آبن عبد السلام وغيره وسمع من آبن المقير وآبن رواح وآبن عبد الدائم وغيرهم وخرج لنفسه تساعيات وصار من أئمة العلماء في مذهبي مالك والشافعي مع جودة المعرفة بالأصول والنحو والأدب إلا أنه كان قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع عجيبة‏.‏

وروى عنه الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس وقاضي القضاة علاء الدين القونوي وقاضي القضاة علم الدين الإخنائي وغيرهم‏.‏

وكان أبو حيان النحوي يطلق لسانه في حق قاضي القضاة المذكور وقد أوضحنا ذلك في ترجمته في المنهل الصافي باستيعاب‏.‏

ومن نظمه قصيدته المشهورة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم التي أولها‏:‏ يا سائرًا نحو الحجاز مشمرًا اجهد فديتك في المسير وفي السرى وإذا سهرت الليل في طلب العلا فحذار ثم حذار من خدع الكرى وله أيضًا‏:‏ قد أتعبتني همتي وفطنتي فليتني كنت مهينًا جاهلا أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يحرر‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا سواء وكان الوفاء في سابع عشرين مسري‏.‏

السنة السادسة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاون الثانية على مصر وهي سنة ثلاث وسبعمائة‏.‏

فيها آنتدب الأمراء لعمارة ما خرب من الجوامع بالزلزلة في السنة الماضية وأنفقوا فيها مالًا جزيلًا‏.‏

وفيها كملت عمارة المدرسة الناصرية ببين القصرين ونقل الملك الناصر محمد بن قلاوون أمه من التربة المجاورة للمشهد النفيسي إليها‏.‏

وموضع هذه المدرسة الناصرية كان دارًا تعرف بدار سيف الدين بلبان الرشيدي فآشتراها الملك العادل زين الدين كتبغا وشرع في بنائها مدرسة وعمل بوابتها من أنقاض مدينة عكا وهي بوابة كنيسة بها ثم خلع كتبغا فاشتراها الملك الناصر محمد هذا على يد قاضي القضاة زين الدين علي بن مخلوف وأتمها وعمل لها أوقافًا جليلة من جملتها‏:‏ قيسارية أمير علي بالشرابشيين والربع المعروف بالدهيشة قريبًا من باب زويلة وحوانيت بباب الزهومة والحمام المعروفة بالفخرية بجوار المدرسة الفخرية وعدة أوقاف أخرى في مصر والشام‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك الحموي‏.‏

كان أصله من مماليك الملك المنصور صاحب حماة فطلبه منه الملك الظاهر بيبرس هو وأبو خرص علم الدين سنجر من الملك المنصور فسيرهما إليه فرقاهما ثم أمرهما ثم ولى الملك الأشرف خليل أيبك هذا نيابة دمشق بعد سنجر الشجاعي حتى عزله الملك العادل كتبغا بمملوكه إغزلوا العادلي وولي بعد ذلك نيابة صرخد ثم حمص وبها مات في تاسع عشر ربيع الآخر‏.‏

وفيها توفي الأمير ركن الدين بيبرس التلاوي‏.‏

وكان يلي شد دمشق وكان فيه ظلم وعسف وتولى عوضه شد دمشق الأمير قيران الدواداري‏.‏

وفيها توفي القاضي شمس الدين سليمان بن إبراهيم بن إسماعيل الملطي ثم الدمشقي الحنفي أحد نواب الحكم بدمشق ومصر‏.‏

كان فقيهًا عالمًا دينًا مباركًا حسن السيرة‏.‏

وفيها توفي القان إيل خان معز الدين قازان وقيل كازان وكلاهما يصح معناه ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكز خان ببلاد قزوين في ثاني عشر شوال وحمل إلى تربته وقبته التي أنشأها خارج تبريز‏.‏

وكان جلوسه على تخت الملك في سنة ثلاث وتسعين وستمائة وأسلم في سنة أربع وتسعين ونثر الذهب والفضة واللؤلؤ على رؤوس الناس وفشا الإسلام بإسلامه في ممالك التتار وأظهر العدل وتسمى محمودًا وكان أجل ملوك المغل من بيت هولاكو وهو صاحب الوقعات مع الملك الناصر محمد بن قلاوون والذي ملك الشام‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك كله في أصل هذه الترجمة‏.‏

وفيها توفي القاضي فتح الدين أبو محمد عبد الله آبن الصاحب عز الدين محمد بن أحمد بن خالد بن محمد القيسراني في يوم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر بالقاهرة وقد وزر جده موفق الدين خالد للملك العادل نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد‏.‏

وكانت لديه فضيلة وعني بالحديث وجمع وألف كتابًا في معرفة الصحابة وكان له نظم ونثر وخرج لنفسه أربعين حديثًا وروى عنه الدمياطي من شعره وأخذ عنه الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس والبرزالي والذهبي‏.‏

ومن شعره‏:‏ بوجه معذبي آيات حسن فقل ما شئت فيه ولا تحاشي ونسخة حسنه قرئت فصحت وها خط الكمال على الحواشي وفيها توفي القاضي كمال الدين أبو الفتح موسى ابن قاضي القضاة شمس الدين أحمد ابن شهاب الدين محمد بن خلكان‏.‏

كان فاضلًا آشتغل في حياة والده ودرس وكانت سيرته غير مشكورة وهو كان أكبر الأسباب في عزل والده ومات في شهر ربيع الأول‏.‏

وفيها توفي الشريف أبو فارس عبد العزيز بن عبد الغني بن سرور بن سلامة المنوفي أحد أصحاب أبي الحجاج الأقصري‏.‏

مات في ليلة الاثنين خامس عشر ذي الحجة بمصر عن مائة وعشرين سنة‏.‏

وفيها توفي الشريف جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا أمير المدينة النبوية مصروفًا عن ولايتها والأصح وفاته في القابلة‏.‏

وفيها توفي الإمام المحدث تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني الغرافي الإسكندراني في سابع ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي الأمير الوزير ناصر الدين محمد ويقال ذبيان الشيخي تحت العقوبة في سابع ذي القعدة‏.‏

وفيها توفي الشريف شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن محمد الأرموي نقيب الأشراف في تاسع عشر شوال وكان فاضلًا رئيسًا‏.‏

وقيل وفاته في الآتية وهو الأقوى‏.‏

الماء القديم ثلاث أذرع وعدة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وست عشرة إصبعًا‏.‏

وكان الوفاء أول أيام النسيء‏.‏